منذ أعوام داهمتني مشاعر الحزن والغربة .. تملكني الألم وافتقدت الونس والأصدقاء، رغم كثرتهم حولي إلا أن غربتي الداخلية تمكنت مني وكبلت كل حواسي وردود افعالي.. أصبحت أكثر عصبية أشد حساسية تجاه كل كلمة وموقف .. لم يكن لي من طوق نجاة سوى الورق والقلم .. مجرد قلم ودفتر أوراق صغير، كتبت رسالة مطولة إلى حبيب قريب بعيد، قريب المكان بعيدا عن اوجاع ربما كان هو المتسبب لها .. كثُرت أوراقي.. صارت ملفات ، بوحت للورق بما لم استطع البوح به لبشر .. صار صديقي القلم ومداد روحي الذي يقطر مشاعر على الورق فتنساب حكايات بها زفير حولته الكتابة الى شهيق أعاد لي الحياة .
ما كانت القراءة شغلي الشاغل من قبل ذلك لاسيما الكتب الدينية او الروايات الرومانسية أو الأدب الساخر تجربة البوح للورق أثارت شغفي لقراءة بوح الأخرين بما يحمل معاناتهم واحلامهم من كتب وروايات .
هنا أتوقف واتسأل.. أتحتاج الكتابة الى موهبة؟ أم هي ممارسة؟
ثم ماذا لو بدأت فى كتابة عمل ما ثم توقفت لظروف العمل والحياة ؟
ربما يبدو للوهلة الأولى السؤال سهلا، لكن الإجابة قدر سهولتها.. صعبة، فكلما قرأنا لنصل الى الشعور بالارتواء.. أزددنا عطشا.. بحر القراءة يهفو دائما الى الازدياد.. فى الماضي كان اقتناء الكتاب ليس بسهولته الآن، كان غير متاح للجميع ولا كل الوقت.. ربما ساهمت المكتبات العامة فى توفيره للقراءة للبعض بشكل ما محدود.. اصبح الان متاح عبر قنوات عدة مسموع ومقروء بأكثر من شكل وطريقة..
اذن ماذا يمنعنا عن القراءة؟ الوقت، المشاغل، الحياة؟
نعم ربما كل هذا معا.. وقد تتلاشى كل المعوقات حينما نمتلك الشغف.. الرغبة فى الحياة بحق.. الكتاب يوفر لنا أكثر من حياة ولا يتطلب سوى التفرغ من مشاغل الحياة مجرد دقائق لا تزيد عن الثلاثون دقيقة يومياذن وماذا عن الكتابة؟
أراها ميسرة للجميع متى امتلكنا الشغف .. شغفك بالشيء هو ما يحركك تجاهه .. ما تقرؤه الآن هو ما كتبه غيرك سابقا.. فلماذا لا تقتدي به وتحذوا حذوه ؟
الكتابة يا صديقي حياة، نحياها عدة مرات برغبتنا وسعينا وخيالنا وأحلامنا.. كما قال العقاد: ” أنا أقرأ لأن حياة واحدة لا تكفي” .. فدعني أقول ” أنا أكتب لأحيا وغيري حيوات اخرى”
أكتب للتنفيس عن رغباتي، أحلامي، تطلعاتي.. أكتب لأحيا
قد يحدث مايسمى التوقف الابداعي أو writer block للكاتب .. ماذا لو حدث؟
دعني أخبرك أنه عليك بغلق جهاز الكمبيوتر وترك أوراقك فورا..أنفض عن رأسك كل أفكار الكتابة وما امتلئت به من موضوعات تناولتها فى كتابتك..انطلق الى الطبيعة استنشق هواء جديد، شمس مبهجة، استمع الى آيات أحببتها من التلاوات أو الترانيم.. حلق مع نغمات تسمو بروحك لعالم تهدأ له نفسك .. أهرب الى الطبيعة واحتضن البراح.. وحينما يصفو ذهنك وترقى روحك سيدلك عقلك على الطريق الموصل الي ما انتهيت عنده.. وربما هداك الى سبيل أخر أكثر وضوحا ومعرفة مما قبله.. لا تتوقف يا صديقي عن السعي، عن الأحلام ، عن كل مايسعدك .. فقدرما سعدت بكتابتك ..أسعدت معك من سيقراها.. ربما أصبحت نبراسا لشخص ما فى مكان ما وزمن ما وأنت لا تدري.. ربما أصبح حرفك نور يهتدي به من يسره الله له .. قد يكون حرفك طوق نجاة لغارق فى عتمة الظلم أو الوحدة أو الياس
عند تجربتك الأولى أكتب .. فقط أكتب بشكل يومي عن أي شىء وعن كل شىء .. أكتب ما تحبه أنت لا ما يحبه الناس .. أكتب نفسك ليقرأك من لم يهبه الله القدرة على كتابه نفسه.. يقرأ لك فيجد نفسه ..أكتب عن الناس ليقرؤا أنفسهم..أنفصل عن الواقع، أكتب مسودات- شخبط – أحذف، مزق، خفف من مفرداتك ولا تجعلها مبهمة للبعض، أكتب للعامة وليست للخواص ، حرر كتابتك من النقاب ورابطة العنق..دع قلمك حر يتنفس فيستشعر شهيقه القاريء .. كن رئته التي تمتلىء بشيق حرفك المضيء.. أكتب عن حزنك، فرحك ، غربتك، ونسك ثم أحذف بشدة .. فكل ما يمكن حذفه لابد من حذفه.. أكتب برُقي وأحذف بعنف .. أجعل قوة قلمك في حرفة ثم ضع الحياة بين دفتي كتاب واستمر
بقلم هالة البشبيشي
Discussion about this post