أوتار قلبي النازفة
بقلم/ منية الكموشي
على تخوم الروح حيث يتقاطع الهلاك بالحياة، هناك وتر معلّق ڪخيطٍ شفيف بين السماء والأرض، يُنشد لحنًا مڪلّلًا بالألم، لحنًا لا يدرڪه إلا أولئڪ الذين أضناهم الغوص في مجاهل الصمت بحثًا عن سرِّ الجراح. أوتار قلبي ليست ڪأي أوتار؛ إنها طعناتٌ عميقة، جروحٌ متوهجة تتدفق مشاعرها ڪشلال لا يتوقف، تتسلل إلى أقصى زوايا الروح المظلمة، ڪعاصفةٍ شتويةٍ لا تلين ولا ترحم، تتربّص بهدوءٍ هشٍّ لتُجهز على ما تبقى من سلام.
يا قلبي، ڪم مرة أثقلٺڪ الأحزان حتى عجزٺ عن النبض؟ ڪم مرة أطبقت غيوم القهر سماءڪ، فخنقت أنفاسڪ، وألقت بڪ في ظلمة لا يجرؤ النور على اختراقها؟ ومع ذلك، ڪم حاولٺ إخفاء نزفڪ عن هذا العالم الأصمّ الذي لا يسمع إلا ضجيج القوة؟ لكنڪ كنت دائمًا تُفضَح، مكشوفًا ڪسطح البحر حين تزلزله العواصف، وكنت هشًا ڪوَرقة خريفية تلهو بها رياح الغدر، تارة تمزقڪ وأخرى تلقي بڪ بعيدًا عن جذورڪ.
أتراڪ وُلدٺ لتحمل هذا الألم الذي لم تختره؟ أم أنڪ خُلقت لتقف صامدًا في وجه الرياح العاتية، تُثبت أن الانڪسار لا يُڪتب على القلوب التي تتوق للحياة؟ في أعماقڪ يا قلبي، تسڪن شعلةٌ عصيّة على الانطفاء، نارٌ تأبى أن تخبو مهما تڪاثرت عليها سڪاڪين الغدر. لهيبڪ ينشد أنشودة التحدي، يغني رغم الألم، ويصرخ في وجه ڪل خذلان.
تُخبرني الأيام، يا قلبي النازف، أن أوتارڪ المتڪسرة ما زالت تفيض بحياةٍ ترفض الاستسلام. ڪل وتر منڪ شهادة حيّة على صبرٍ لم يضعف، على خياناتٍ خنقت أحلامًا بريئة، وعلى أحزانٍ طمست ملامح الفرح. لڪن ڪل طعنة ترڪت أثرًا من قوة، وڪل خيبة أضاءت طريقًا جديدًا.
فلتڪن أوتارڪ النازفة يا قلبي لغةً تتحدى الصمت، وصوتًا يجلجل في وجه الظلم. اجعل من نزفڪ لحنًا يزلزل جدران العجز، وأصداءً تدق طبول ثورة لا تهدأ. سأحيل دموعڪ أنهارًا تُعيد الحياة لتلك الأراضي التي أجدبتها خيبات الماضي، وسأعزف على أنغامڪ يا قلبي حتى يتوقف الزمن، وحتى تتحول ڪل أنّة إلى أغنية ولادة.
ڪل لحن منڪ نزيف، لڪنه وعدٌ بحياةٍ تُبعث من رماد الألم. ڪل جرح فيڪ شهادةٌ على قلبٍ لا يعرف الخضوع، قلبٍ يحارب لينتصر، قلبٍ ينهض من رماده ليڪتب ملحمة الصمود، ملحمة حياةٍ تُزهر رغم ڪل شيء.
سلامًا على ڪل قلب ينزف حزنًا
بقلمي: الڪاتبة منية الڪمّوشي
Discussion about this post