“لنكتب عن المطر” قال:
تساءلت: “المطر؟”
قال: “نكتب عن الموسيقى اذن؟”
من أوحى لكَ أنّ الموسيقى مطرْ؟
وكيف أتاكَ حديثُ الشّجن؟ وعلّمك أنّ في حبيبات المطر دموعَ الشّوق تنهمر من غيمات التّمنّي عندما يبلغ الاشتياق ذروة الوله والهبل، وتصير عيون الحبّ جمراتٍ لا تنطفئ، تحرق المسافاتِ والأمنياتِ، والقلبُ المكلول يغدو رمادا تذروه رياح الضّجر، غير أنّ الحبّ المسافر في عروقك لا يعرف الاستسلام، ولا يقف عند محطّات البكاء، البكاء لا يحبّه القديسيّون، لأنّه يجعل السّماء منهكة، ويثقل كاهلها بالغيوم الجوفاء، التي لا تحمل بشرى للظّامئين، فتغرق في الصّمت والظّلام، وتغيب عنها الشّمس الضّاحكة، وتسود البحار، وترغو الأنهار. هل تعلم لماذا؟ لأنّ قلبكَ الأخضرَ يا توأم الروح القريب، البعيد، يحبّ المطر ويشتهي البلل، حتى النّوارس الحالمة، الصّاخبة في الفضاء، تنتظر موسيقى المطر، كذلك الدّلافين القافزة في المحيطات، لا ترقص إلاّ على نبض المطر، وأزهار اللوتس لا يعود لها أريجها إلاّ إذا وقّع المطرُ على وجناتها الطّريةِ نوتاتٍ رقيقةً كالنّدى، وذاك الخطاف، يا دمعَ المقل، يغدو نشوانا لمّا يغسل ريشه المطر.
موسيقى المطر، هي إيقاع الرّوح على وتر الشّهوة، ونغمة الشّفاه حين القبل، موسيقى المطر، تطهّر أعماقنا من سواد الزّمن، تغسل قلوبنا من وجع المسافات، تجعل الطّريق جداول ضياء، وتوصلنا إلى لبّ الحقيقة. حقيقة الرّوح المبلّلة بالمطر، المعتّقة برائحة الأرض. ونبض المطر موسيقى عشق يعزفها الأمل، حبّ يزهر في كلّ الفصول والمواسم، ثمار جنّة في لذّة العسل.
فهل خبرتَ ما المطرْ؟
المطر شوق وتوق لضفاف أخرى يحفّزنا لاكتشاف حياة جديدة ملأى بالنّقاء، والهناء ودنيا لا ينفد فيها أمل، العشّاق هنالك يغرقون في نشوتهم الخالدة ويغتسلون بعطر المطر الأبديّ.
سونيا عبد اللطيف
تونس في 20/ 12/ 2024
Discussion about this post