بقلم د.بوخالفة كريم _ الجزائر
ذهنيّة التّحريم
إن تقديري الشّخصيّ هو أن الفلسفة غير مُستحبَّة عموماً وغير مشجّعة كثيراً على الصّعيد الرّسمي العربيّ ، كما أنّ سمعتها التّقليديّة تبقى سيّئة في الوسط الثّقافي الواسع ، على الرّغم من تزايد عدد المهتمين بها ، ومحبّيها ، والمساهمين في نموّها بالوطن العربيّ. فالفلسفة مازالت تعاني من الحُرُم الّذي فُرِض عليها وعلى تعاطيها في مراحل معيّنة من تطوّر الفكر العربي الإسلامي الكلاسيكي. ومن التّكفير الّذي لحق بأبرز أعلامها حين عالجوا مسائل فلسفيّة صميمة ؛ مثل : قدم العالم ، حشر الأرواح ، والعلم الإلهي بالكلّيات أو الجزئيات. لهذا نجد أن الحكمة التقليدية المعادية للفلسفة والقائلة : ” من تمنطق فقد تزندق ” مازالت عالقة في الأذهان ، ومؤثّرة في العقول.
– من ناحية ثانية : نحن نعرف أنّ الفلسفة تميل إلى الشّك بالقائم من المعتقدات منذ ديكارت ، وتميل إلى النّقد الهدّام والبناء منذ كانط ، وإلى السّلب والتّركيب الجديد منذ هيجل ، وإلى تقويض أركان العالم القديم منذ ماركس. كذلك نحن نعرف أنّ الفلسفة تميل إلى الشّمول ، بمعنى مطالبتها الفيلسوف برأي واضح وصريح ليس في المقولات والزّمان والمكان فحسب ، بل أيضاً بالتّربية والأخلاق والسّياسة والحرّيّة وحقوق الإنسان ، الخ.
– من هنا النّزعة الرّديئة والمنحطًة الّتي نلحظها عربيّاً في تدريس الفلسفة ، إن كان في المرحلة الثّانويّة أو الجامعيّة ، وأقصد بذلك تحويل الفلسفة إلى جملة من العقائد التّبسيطيّة والشّعارات الّتي يمكن حفظها عن ظهر قلب ، أو إلى مجموعة من الأفكار المسبقة الصّنع الّتي يسهل تلقينها للتلاميذ تلقينا آليّاً. وأنا أعرف أساتذة حاضَروا في جامعاتنا لمدّة ربع قرن ؛ عن الشّك المنهجيّ عند ديكارت ، دون أن يشكّوا لحظة بأيّ شيء مهم في حياتهم الدّاخليّة أو الخاصة أو العامة !.
Discussion about this post