منذ أن اقتحمت التكنولوجيا عالمنا وفتحت أمامنا أبواب مواقع التواصل الاجتماعي، أصبح النشر متاحًا للجميع. وبهذا التحول، وجدنا أنفسنا أمام ظاهرة لافتة: بين ليلة وضحاها، أصبح “الجميع” شعراء. ولا عيب في ذلك ما دام الأمر يتم في فضاء حر، لا يُفرض فيه الملقي على المتلقي. بل لكلٍ حلقته الخاصة التي يجتمع فيها من يشاء، مثنيًا أو مكثرًا من التفاعل حسب الرغبة.
في الحقيقة، يمكن اعتبار هذه الظاهرة صحية إلى حد كبير، خاصةً إذا نظرنا إليها من منظور التعبير عن الذات. فقد أتاحت التكنولوجيا متنفسًا كان مغلقًا في الماضي، حيث كان الكبت غالبًا على المشاعر والأفكار. وهنا أوجه حديثي إلى النقاد الذين يتذمرون من كثرة الدخلاء على الشعر، وأقول لهم: دعوا الناس تعبر كما تشاء؛ فهذا أهون من الصمت الذي كان يخنق الأرواح في الماضي.
ولكن، ولأن لكل حديث “لكن”، ثمة مشكلة كبيرة لا يمكن تجاهلها. وهي حين يعتقد بعض هؤلاء – وهم الأغلبية – أنهم بالفعل قد أصبحوا شعراء بسبب بعض الإعجابات التي يحصدونها، وهي غالبًا ما تكون مدفوعة بالصور المرفقة أو بدافع رد الجميل (“لايك مقابل لايك”). هذا المشهد لا يؤثر فقط على متذوقي الشعر، بل يلقي بظلاله على الشعراء الحقيقيين، وخاصة المبدعين منهم الذين ما زالوا في بداية الطريق. إذ يجد هؤلاء أنفسهم تائهين وسط هذا الزخم، فلا يميز القارئ العادي بين الإبداع الحقيقي والنصوص المبتذلة.
والنتيجة؟ يتجه الكثير من القراء إلى ما يمكن وصفه بـ”تفاهات التواصل الاجتماعي”، فتضيع الثقافة، ويختفي المثقف الحقيقي تدريجيًا، مفسحًا المجال لسطحية المشهد العام. وفي ختام هذا المشهد المأساوي، يظهر الذكاء الاصطناعي ليأخذ دوره في التنسيق والإبداع، مطلقًا رصاصة الرحمة على عهد الورقة والقلم.
فهل نحن على أعتاب تحول ثقافي كبير، أم أن الإبداع الحقيقي سيظل قادرًا على إثبات وجوده وسط كل هذا الضجيج؟
التزنيتي عبداللطيف
المغرب٢٠/١٢/٢٠٢٤
Discussion about this post