الكاتب: محمد نبراس العميسي/ اليمن يكتب
ابتدأ تاريخ الأخلاق منذُ أن عرف الإنسان البدائي في مجاهل وأدغال الأرض التّفكير، وانفتق ذهنه وتفكيره على الوعي الفطري بذاته ومايعتريه، من البدايات الأولى الّتي اتصل بها بقيم وغايات الوجود الكبرى، كان يشعر بنداءٍ داخليّ يملأ عليه عالمه الخارجي، بدا ينزعج من التّصرفات اللا منطقيّة واللا سويّة، يشعر بها في ضميره ووجدانه؛ لكنّه يفتقد إلى صيغة التّعبير واللغة السّليمة الّتي يُعبّر بها عن كثير ممّايحيط به من تصرّفات وقيَم شائعة في بيئته، وتسري على الموجودات والكائنات من حوله.
نستطيع أن نعرّف هذا النّداء الدّاخلى، على إنه نداء الإنسانيّة في أغوار النّفس البشريّة، نداء الذّات البعيدة والرّوح، نداء علويّ يصنع المفارقات بين الشّيطان والملاك ومنه يحدث التّمايز والتّباين. السّمة الغالبة في الملائكة هي الأخلاق، هي القيَم والمُثل العليا، هي رافعة الوصول إلى عالم ربّاني وسماوي. ظلّت الأخلاق حيّة في وجدان الضّمير حتّى جاء الرّسل والأنبياء والبعث الدّيني فبدأت في التّحوّل من دور التّنظير والنظرية التي تنحبس في صدر الإنسان إلى واقع يطبّق، وإلى مادّة مُعاشة، يتّسع لها الواقع ويمتثلها الإنسان.
لعلّ البعض يتساءل عن الغاية الأسمى الّتي بعث من أجلها الأنبياء عليهم صلوات الله جميعاً، وتعاقبت من أجلها الرّسالات؟!
مامن شك إن تلك الرّسالات والدَعوات والشّرائع جاءت من أجل الأخلاق أوّلاً، ثم من أجل تعبُّد النّاس لربّهم وعمارة الأرض وإصلاح الكون من أجل أن يكون قابل للعيش والحياة، وإذا ما ذهبت تلك الأخلاق استحالت الحياة إلى مستنقع كبير من الشّرور والتّجاوزات وإيقاظ صور الإعتداء والإجحاف.
النّبي صلوات الله عليه تلخّصت رسالته في إتمام مكارم الأخلاق، كذلك تلخّصت دعوات إخوانه من الأنبياء والمرسلين” أنا جئت أكمّل ذلك البناء” كما قال عليه الصلاة والسلام. وقال أيضاً لنفر القرشيين الّذين أتوا إليه وهم يهابونه في وجل “هوّنوا عليكم إن أمّي كانت تأكل قديد التّمر في مكة”
الأخلاق تبني حضارات عريقة، ومستمرّة ستبقى طيلة الزّمان، وستبقى حيّة حتّى يوم القيامة. الحفاظ على الأخلاق، يعني الحفاظ على بقائك في الحياة. أنت حيّ بمقدار ما أنت متمسّك بأخلاقك، أنت باقٍ في المصاف الرّبانيّ طالما أخلاقك حسنة ومثالية وراقية، طالما تتعامل بالصّدق وتلتزم بالتّعامل الإنسانيّ النّبيل. أنت امتداد لدعوات أنبياء الله طالما حافظت على أخلاقك في لحظة صدق وثبات والتزام حتّى نهاية حياتك. أيضاً الأخلاق تنظّم الحياة وتحميها من العبث والتشتّت والإنقراض ومن أن تتحوّل إلى غاية يأكل القويّ الضّعيف ويعبث فيها كيف مايحلو له.
أنت كطبيب مرموق، أوكمدير، أو كرئيس قسم ومشرف أو مختصّ أو عامل بيئة أو حارس أمن، بحوزتك شهادات عالية المستوى وإمكانياتك ومهاراتك وقدراتك من طراز فريد؛ لكنّك تفتقر للأخلاق الحميدة والسلوك الرّاقي، هذا يجعل منك كصفر على الشّمال، لن تفيدك كلّ شهادات العالم إذا غاب عنصر الأخلاق والسّلوك، أنت بلا قيمة حتّى تتمسّك بأخلاقك، حتّى تتعامل بإنسانية ورقيّ ونبل. أخلاقك هي من تعطيك القيمة، من يحدّد أهميّتك وتأثيرك، من يعطيك سمو يتجاوز الأرض.
مدير عام المؤسّسة الّتي أعمل فيها( الدكتور لؤي محمد سليمان) يثير إعجابي حينما يركّز على الأخلاق ويولّيها أهميّة كبيرة في تسيير الأعمال، في كلّ اجتماع له ماينفكّ يتحدث عن الأخلاق، يشير إليها دائماً ويهيب الجميع بها، يطالب بتطبيقها والإلتزام بها والتّعامل من الإيحاء منها. يقول دائماً: أكثر شيء يهمنّي في الموظف ويثير إعجابي وحبّي ومودّتي وتقديري للموظف هي أخلاقه الحميدة وسلوكه الشّخصي، يأتي ذلك أوّلاً، ثمّ يأتي التّعليم والمهارات والخبرات والقدرات والإمتيازات والإمكانيّات في المرتبة الثّانية، وتسقط من كونها أولويّة ورقم واحد إلى ثاني التّرتيب؛ لأن الأخلاق أساس كلّ شيء، وإذا غابت عن الموظف غاب معها كل شيء.
أخبرني عن إستعداده الكامل لتدريب وتأهيل وتحميل عبء تعليم الموظّف حتّى يتعلّم في مجاله ووظيفته على نحوٍ جيّد؛ لكن ليس بمقدوره تغيير الأخلاق لأنّها طابع شخصي وسمات فطريّة تخلق مع الإنسان ويتم تهذيبها من خلال التّنشئة والتّربية.
أخبرني أيضاً عن الخيار المصيري والحازم في فصل أيّ موظف أخلاقه سيّئة مهما كانت درجته العلميّة ومؤهّلاته، وقد تمّ العمل بذلك في فترة ماضية.
Discussion about this post