بوخالفة كريم يكتب-الجزائر
الكثير يسأل أين النّخب؟ و من هي النّخب؟ و كيف لنا أن نجدها؟ أو نسترجعها؟ و بالطّبع الكلّ ينظر الى الجامعة ينتظر منها زبدة الكلام لأنّها المؤسسة الاجتماعيةالّتي تنتج كفاءات ونخب الّتي تسير بالمجتمع ومؤسّساته كونها آخر المؤسّسات التّعليميّة وكذلك التّنشئة الاجتماعيّة
.لا يمكن لأيّ مجتمع أن يتقدّم بدون المثقّفين. تلك حقيقة مطلقة يؤكّدها تاريخ المجتمعات الّتي نهضت والّتي تخلّفت وتأخّرت أيضا. فالنّخبة المثقّفة أو (الأنتليجنسيا) هم فئة من الأشخاص المتعلّمين المنخرطين في الأعمال الذّهنيّة المعقّدة الّتي لها دور نقديّ وتوجيهيّ وقياديّ في تشكيل ثقافة وسياسة مجتمعهم، تضمّ الأنتليجنسيا فنّانين ومعلّمين وأكاديميين وكتّاب ورجال الحرف. يُعرف أفراد الأنتليجنسيا بالمثقّفين. أمّا المثقّف فقد
اختلف الفلاسفة وعلماء الاجتماع في تعريفه، بمعنى أنّ كلٍّ منهم قام بتعريفه من زاوية مختلفة. ولكنّهم اتّفقوا على أن المثقّف هو الّذي يُنتج المعرفة، أو ينشر المعرفة، وأنّه يتّسم بحساسيّته المفرطة لمشكلات المجتمع الّذي يعيش فيه.، ويجب أن يشعر بمشكلات المجتمع ويتنبّأ بها قبل أن تحدث.
وأمّا عن علاقة المثقّف بالمجتمع فإننا يمكن أن نشبّهها بعلاقة الطّبيب بالمريض، فالمثقّف هو الطّبيب الّذي يعرف مشكلات مريضه ويعمل على علاجها، وأمّا المجتمع فهو المريض الّذي يعاني من مشكلات نتجت أساساً عن تلويث في ثقافته، وهنا يأتي دور المثقّف ليستأصل هذا التلوّث الموجود بالثّقافة المنتشرة في الجسد الاجتماعي.
وهنا يجب أن ننتبه لنقطة مثيرة ومهمة جداً وهي أن الجسد سيتألّم. بمعنى أنّ المجتمع سيعاني من المثقف الّذي يعمل على استئصال جزء قديم ملوّث من ثقافته. فربّما يرفض المجتمع المثقف الّذي يعالجه، وربّما ينفيه ويطرده خارج المجتمع. وهذا ما يحدث للأسف الشّديد للمثقفين الحقيقيين في مجتمعنا والّذين رفضوا أن يكونوا (إمعة) ورفضوا أمراض المجتمع وحاولوا علاجها.
إنّ المثقّف ليس مضاداً للمجتمع بل هو طبيب المجتمع، فقد يلجأ الطّبيب أحيانا إلى بتر أحد أطراف مريضه، ولكن لا يعني هذا أنّه يؤذيه بل هو في الحقيقة يعمل على إنقاذ حياته. ونحن في أمسّ الحاجة للمثقّفين الحقيقيين
ولتبيان أسباب عجز الجامعة كمؤسسة إجتماعيّة علينا التّوضيح النّقاط التّالية:
اولا على مستوى التّنشئة فالجامعة تعتبر آخر مرحلة في عمليّة الادماج الاجتماعي فلمّا يولد الانسان تقوم عدّة مؤسسات بعملية تنشئته و إدماجه ليكون صالحًا في المجتمع بالطّبع كلمة صالح أن يكون متماثلا مع متطلّبات المجتمع حسب المعايير التي يحدّدها هذا الأخير. لهذا على المستوى الجامعيّ تجد من عايش الجامعة قليل من المعارضة مقارنة بمن لم يلتحق بها.
_ثانيا الجامعة هي مؤسّسة وظيفية فهي جزء من نظام اجتماعي تملك وظيفة اجتماعية اساسية و هي تزويد مجمل المؤسسات الإجتماعية بإطارات للتسيير حتى يبقى المجتمع منتج لهذا فستجد مئات الالاف من الاطارات الجامعية المتخصصة في مجالها و هنا ضع خط على كلمة تخصص لأنها الكلمة المفتاحية التي تنزع منه روح الابداع و النقد لتجعله موظف بالمفهوم التقني للعلم.
ثالثا _ الجامعة مثلها مثل كل مؤسسات المجتمع مريضة و متهالكة فهي لا يمكن لها ان تقدم تلك النخب التي تملك روح النقد و البناء بالمفهوم الابستمولوجي للكلمة لأنها بكل بساطة لا تملك آليات التفكير و الابداع مثال ذلك نوعية المقاييس و محتواها يفرض علينا أن نتقيد بها تجعلنا مقيدين بتوجه علمي و ايديولوجي معين يمنع عنا تكوين نخب تقدم الإضافة
رابعا كما قلت الجامعة هي أخر الحلقة التعليمية و بالتالي يصلها انسان قد لعبت بعقله كل المؤسسات الاخرى و بشكل عام المجتمع بمفهومه المؤسساتي يمنع التفكير و الابداع إبتداءً من أسرة المسجد المدرسة الحصانة الشارع و الدولة و لهذا حتى إذا افترضنا أننا سنحاول خلق روح التفكير و الابداع لكي ننتج نخب قيادية فللأسف النسبة الكبرى لهؤلاء الطلبة لا يملكون الآليات اللازمة للتفكير مما يمنع عنهم فهم ما نطلبه منهم.
خامسا نحن نطالب بنخب بمفهوم ماركسي يعني لن نقول على ذلك الشخص انه من النخب إلا إذا وجدناه يعارض و مازلنا لم نتحرر من هذا المفهوم لهذا النخب التي تصنع الالات و التطبيقات مثلا لا نعتبرها نخب و هنا إشكال أخر تماما.
خامسا قضية النخب هي قضية فردية و ليست جماعية يعني هي قدرات فردية يحملها اشخاص بخصوصيات نفسية معينة و للأسف نحن مجتمع نحب أن نهين نخبنا و لك ان تبحث عن اي باحث تجده يطالب بالتغيير فهو إما في السجن او الغربة او مقهور في بيته فنحن شعب نكره من يفكر كثيرا.حيث ترجع اغلب الدراسات ان غياب الارادة السياسية للسلطة في الجزائر، قد منعت من انتقال الجامعة الى لعب دورها الفعلي والتثقيفي، خاصة اذا ما امعنا النظر في حقل العلوم الاجتماعية على سبيل الحصر
اين يمكن ان ينتج هذا الاخير نموذج الفاعل (الاج، )والقائد النضالي، السياسي الذي يعيش من اجل السياسة، والاعلامي الثوري، والمثقف الملتزم..وبالتالي فان خلفيات غياب الانتاج النوعي للطالب داخل الجامعة في بلادنا ترجمته هذه الدراسات الى علاقة المثقف بالسياسي بشكل خاص و صلة الجامعة بالسلطة السياسية بشكل عام بحيث ندرج انه اننا امام جامعة السلطة وليس سلطة الجامعة من حيث الاطار الاستقلالي للمؤسسة.
في حين ترجع دراسات اخرى سبب الاخفاق راجع لفشل فلسفة التعليم العالي والبحث العلمي ان لم نقل بالاحرى انعدام وجود فلسفة اصلا من حيث مستواها الاجرائي والعملي لان ماهو موجود من مناهج مستورد وغير مدروس وممحص ومنتقد
في حين ترجع دراسات اخرى ان الجامعة الجزائرية لم تواكب متطلبات العصر والعولمة، وخاصة فكرة جعل الجامعة مؤسسة اق تهدف لتجسيد مجتمع المعرفة
واقتصاد المعلوماتية فارتكاز النظام الاقتصادي لدينا على (الريع ) سهل نوبات الفكر الاستهلاكي
و الحق ان هناك الكثير من النقاط التي تجعل وجود النخب بالمفهوم الكلاسيكي غير متوفر فللاسف نحن نبحث عن نخب كاريزماتية أي انها تعرف كيف تتكلم و لسنا نبحث عن نخب تعرف كيف تغير و الأمر مختلف جدا.
Discussion about this post