قراءة تحليلية لنصّ أميرة الجبال للأديبة دعاء محمود
بقلم: الكاتب والباحث
رضوان إسماعيل حسن
النصّ
أميرة الجبال
أسطورة قديمة؛ تحكي أنَّ الأميرة “مونتانا” عاشت في رغد عظيم، كان أبوها أمير المملكة الشَّرقية للأرض المليئة بكنوز وزرع؛ حياة مترفة عاشت بها وتطبَّعت بصفاتها.
أغار عليهم أمير البحار، أسر أباها، نصَّب نفسه حاكمًا على البحار والأرض الشَّرقية معًا، فرَّت منه مونتانا هاربة إلى شعاب الجبال؛ قد نجت من الرِّق والذُّل.
بقدرات فائقة حباها الله بها في فنِّ التَّواصل مع الحيوانات الضَّارية استطاعت أن تُطوّعَ ذئاب الجبال فتُطيعُها ؛ عاشت معهم وتحوَّلت إلى ذئبة “سرحانة ” بصورة بشريّة جمعت مَن فرُّوا معها، طافت بهم الجبال إلتفَّ النَّاس المتفرِّقون حولها لسحر جمالها وقوّة تأثيرها.
بنعومة حديثها وعلمها الواسع، بدأت تعمِّر الجبال، تزرع السُّفوح، وتزوِّج الرِّجال؛ أنشأت جيلًا ينتمي لها ويؤمن بها؛ جعلت من الأحجار منازلًا، من الضَّواري جيشًا، ومن فتات الرِّمال أسلحة.
عادت بجيش قويٍّ إلى مملكتها اجتاحت المملكة، وهزمت الملك بكلّ سهولة؛ انتشرت الذِّئاب في كلِّ بقعة من الأرض؛ لتضمن الولاء لها. رجالها المخلصون سيطروا على مفاصل الممالك فأصبحت أميرة الجبال والبحار والأرض الشَّرقية؛ رفعت رأس أبيها، خلَّدت ذكره، كتبت بحروف من نور اسمها، أسطورة عاشت على مرِّ العصور.
أميرة الجبال ” مونتانا ” تُحدِّث الذِّئاب، تسحر البشر، يؤمن بها كلّ من يعرفها، فيقسم على الولاء والطَّاعة.
تمتلك قوّةً ناعمة، وسحرًا تامّا، يجذب البشر، الحجر، والضّواري.
ناعمة كحدِّ السَّيف، قويّة كغمده، بتّارة كنصله، ملكت، حكمت، عدلت؛ فدام الملك لها..
سطّره التَّاريخ على صخورِ الجبال.
الكاتبة الصَّحفية/ دعاء محمود
دعاء قلب
مصر
٢١/٩/٢٠٢٥
القراءة التَّحليلية
نصّ «أميرة الجبال» ليس سردًا أسطوريًا فحسب، بل هو إعادة تشكيل لفكرة القيادة النسوية خارج هندسة السلطة التقليدية. الكاتبة دعاء محمود لا تقدّم “مونتانا” بوصفها امرأةً خرجت من الهزيمة لتعود بالقوّة، بل بوصفها نموذجًا لتحوّل الهشاشة إلى سلطة، والمنفى إلى وطن، والانكسار إلى رأس مال وجوديّ يقود التاريخ.
الأسطورة هنا تعمل بوظيفة رمزية:
الهروب إلى الجبال لم يكن فراراً بل انتقالاً من شرعية الحق الوراثي إلى شرعية الاستحقاق الوجودي؛ من ابنة أميرٍ شرقيٍّ مدلّلة إلى صانعة مملكة لا تستند إلى العرش بل إلى التأثير. التحوّل إلى “ذئبة” ليس مسخًا بل تفكيكًا لمعنى الأنثى كما ورثته الحضارة، وإعادة بنائه وفق منطق البقاء والسيطرة.
في النص تتجاور ثلاثة مستويات سردية بذكاء:
1. الأسطورة السياسية: انقلابٌ على الحاكم الغازي، واستعادة المُلك.
2. الميثولوجيا الأنثوية: أنثى تُخضع الضواري وتؤنسن الجبال.
3. فلسفة القيادة: بناء مجتمعٍ لا بالولادة من الدم، بل بالانتماء للفكرة.
وليس اعتباطيًا أن تنتصر مونتانا مرتين:
مرّة وهي تهرب، ومرّة وهي تعود. فالهروب هنا انتصار تأديبي للنفس، والعودة انتصار تنفيذي على العالم. لذلك تشتغل اللغة في النص بلاغيًا باتجاه صناعة “هالة”، لا مجرد رواية؛ هالة تُحوِّل الشخصية من كائن إلى نصٍّ مقدّس في الذاكرة الجمعية.
الصياغة التي كتبت بها دعاء النص تحمل مزيجًا نادرًا من الرهافة والصرامة:
المشهد كله مغمور بأنوثة ناعمة، لكنّه ينتهي بحدّ السيف. الكلمات لا تسرد، بل تُبرّح المعنى، تترك أثرًا لا يُقرأ بل يُستشعر.
في الخلاصة:
«أميرة الجبال» ليست حكاية امرأة حكمت، بل بيانٌ أدبيّ يقول:
إن القوة قد تخرج من المنفى،
والسيادة قد تُصنع بعيدًا عن العرش،
وإن المرأة حين تُهزَم لا تنتحر… بل تُعيد صياغة العالم.
الكاتب والباحث
رضوان اسماعيل حسن






































